وظيفة الحارس العام ومهامه داخل المؤسسة التعليمية
تطوير المنظومة التربوية لا يمكن أن يتم دون تحسين أداء الإدارة التربوية، لذا، فإن تحقيق هذا الهدف يقتضي تأهيل الإدارة التربوية لضمان الجودة المنشودة في مجال التربية والتكوين. هكذا وبالنظر للمهام المنوطة بأطر الإدارة التربوية نسلط الضوء أولا على دور الحارس العام لمواكبة التطورات والاستجابة للمستجدات ومتطلبات العمل على أن نولي اهتمامنا مستقبلا لمهام المدير.
أطلقت تسمية الحارس العام سنة 1819 في الثانويات الفرنسية -lycées napoléoniens- وأنشئ المرسوم المؤرخ بتاريخ 17/11/1847 وظيفة الحارس العام لأجل ضمان نقل القيم إلى صفوة الأمة وحدد المنشور الوزيري بتاريخ 20/12/1847 مهامه في التكليف بانضباط التلاميذ داخل المؤسسة، تطبيق النظام الداخلي والعقوبات، ومسؤوليته عن النظام، الغياب، التأخيرات، اللباس المدرسي وآداب التلاميذ…. وهكذا أصبح الحارس العام محل خوف، احتقار وأحيانا كراهية من طرف التلاميذ مما أدى إلى إنشاء نموذج أول -surgé-ثم -pion- شخصية في آن واحد مخيفة ومثيرة للسخرية. وفي أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، أشار القرار المؤرخ بتاريخ 05/07/1890 على إبقاء العقوبات ذات طابع أخلاقي ومصلح ومنع منعا باتا كل من الحرمان من فترة الاستراحة أو ما يسمى الوقوف أمام زاوية القسم -Piquet-.
وبعد فترة وبفضل البيداغوجية الجديدة وعلم نفس الأطفال، أصبح دور الحارس العام لا ينحصر في عقاب التلاميذ والمحافظة على سير النظام بل أصبح مربي ومنشط.
أما في المغرب، لم تتغير تسمية الحارس العام، لكن أشار الميثاق الوطني للتربية والتكوين، الذي يرجع له الفضل، إلى حفز الموارد البشرية، وإتقان تكوينها، وتحسين ظروف عملها، ودلك وفق أهداف ومدد زمنية ونظام للتكوين والتدريب يتم تحديدها على ضوء التطورات التربوية والتقويم البيداغوجي. أما المشرع فقد احتفظ للحارس العام بوضعيته الإدارية الأصلية كأستاذ واكتفى بجعله في وضعية تكليف إزاء المهام التي يمارسها.
الحارس العام هو ذلك الشخص الذي يشغل حاليا وظيفة إدارية في السلك الثانوي و سبق له أن درس لعدة سنوات بالثانوي الإعدادي أو الثانوي التأهيلي، و خضع لتكوين نظري بالمراكز التربوية الجهوية ولتداريب ميدانية وإدارية بالنيابة التي ينتمي إليها مقرونة بالنجاح بامتياز في امتحان الإقرار في منصب الحارس العام.
وحدد المرسوم رقم 2.02.376 بمثابة النظام الأساسي الخاص بمؤسسات التربية والتعليم العمومي الصادر في 17 يوليوز 2002 مهام الحارس العام في تتبع أوضاع التلاميذ التربوية والتعليمية والسيكولوجية والاجتماعية والصحية، ضبط ملفات التلاميذ وتتبعها وإنجاز الوثائق المتعلقة بتمدرسهم، مراقبة تدوين نتائج التلاميذ بالملفات المدرسية من لدن المدرسين وإنجاز الأعمال الإدارية التكميلية المتعلقة بها، تلقي التقارير بخصوص انضباط التلاميذ وعرض غير المنضبطين منهم على مجالس الأقسام عند الاقتضاء، تنسيق أعمال المكلفين بمهام الحراسة التربوية العاملين تحت إشراقه وتأطيرهم ومراقبتهم، المشاركة في تنظيم مختلف عمليات التقويم والامتحانات وتتبعها ومراقبتها، إعداد تقارير دورية حول مواظبة التلاميذ وسلوك التلاميذ وعرضها على مجالس الأقسام.
نستخلص نتيجة سرد هذه المهام، أن هناك معيقات وسلبيات تفرض نفسها على الحارس العام؛ حيث يجد صعوبة في القيام بالعمل التأديبي خاصة أن مساهمته في العمل التأديبي يستلزم من طرفه تأمل وتبصر قانوني.
ذلك أن تخلي الحارس العام عن مراقبة الأماكن الحساسة داخل المؤسسة أوسلبيته أمام الحالات الخطيرة أوأعمال العنف، وتسامحه إزاء غياب التلاميذ يمكن أن يرهن مسؤوليته الشخصية. وكذلك موازاة مع مهمته التربوية، وجب على الحارس العام كشف سلوكيات التلميذ التي تخدش وجه المدرسة العمومية وبيان الممنوع كما حدده النظام الداخلي للمؤسسة (مثلا ممنوع التدخين…) والقانون الجنائي (تجريم السرقة والعنف….) واحترام مبادئ العقوبة التأديبية، خاصة مبدأ التناسب بين الخطأ والجزاء.
وفي إطار ممارسته اليومية الحارس العام مطالب بإيجاد الحل المناسب للأشياء المترتبة عن يوم عمل. دلك لا يعني فقط تأديب التلميذ أكثر شغبا بل تسوية كل المشاكل العالقة.
وللأخذ بعين الاعتبار المشاكل الشخصية والعائلية للتلميذ (إساءة المعاملة – التخلي عنه – انفصال الأبوين – سلوك انحرافي – مشاكل صحية) يفرض على الحارس العام معرفة فعلية للتسيير الإداري واختصاصات مختلف مِؤسسات رعاية الطفولة كالمساعدة أو الإعانة الاجتماعية وكذلك قاضي الأحداث.
نستنتج أن تقنية التكوين النظري والتدريب الميداني المسطر للإلمام بالمقتضيات القانونية لن ترقى بعد إلى الأهداف المنشودة ولا يمكن للحارس العام في ظل تعدد المهام تغطية الحاجيات المتعددة لا سيما أن الصفة الغالبة في الوظيفة اليومية للحارس العام هي السهر على انضباط التلاميذ.
أما السؤال الذي تردد في أكثر من مناسبة أو دورة تكوينية، هل الحارس العام مطالب بالتقرير اليومي وكإجابة أولية لا يوجد أي نص قانوني صريح يثبت أو ينفي واجب الإدلاء بالتقرير اليومي إلا أنه يستنتج مما سبق أن التقرير اليومي عبارة عن تدبير إداري “ضيق” سارت عليه العادة و استقر عليه العرف الإداري -المدرسي-، مما يوحي أن نرى في مهامه إلا تدبيرا إداريا للأشياء. -administration des choses-
إصلاح المدرسة العمومية يعتمد بشكل كبير على الكفاية المهنية والبيداغوجية للطاقم التربوي والطاقم الإداري أستاذا أو مديرا أو حارسا عاما….. ويتوقف كذلك على قدراتهم ومهاراتهم الفكرية والمعرفية والمهنية ومدى ترجمتها إلى ممارسة فعلية وفاعلة للمنظومة التربوية.
تعليقات
إرسال تعليق